25/12/2020 - 21:24

حوار | ما أحدثه كورونا في مجال التعليم لا يمكن التراجع عنه

بعد اجتياح فيروس كورونا العالم، موضوع تكنولوجيا التعليم ومنظوماتها أصبح أمرا حتميا وأساسيا في المدارس | المدارس التي تخطّت التحديات، تميّزت بالقدرة على اتخاذ القرارات والتكيّف مع الظروف الجديدة والتمكن من استخدام التكنولوجيا.

حوار | ما أحدثه كورونا في مجال التعليم لا يمكن التراجع عنه

أجري هذا الحوار في إطار "ورشة الحوار الصحافي" التي نظمها موقع "عرب 48" بالتعاون مع جمعية الثقافة العربية، مؤخرًا، وقدّمها أستاذ الإعلام في جامعة بير زيت، صالح مشارقة:


فراس جبّور:

  • بعد اجتياح فيروس كورونا العالم، موضوع تكنولوجيا التعليم ومنظوماتها أصبح أمرا حتميا وأساسيا في المدارس.
  • المدارس التي تخطّت التحديات، تميّزت بالقدرة على اتخاذ القرارات والتكيّف مع الظروف الجديدة والتمكن من استخدام التكنولوجيا.
  • قبل أزمة كورونا، كان همّ المدرّس الأساسي اتقان المادة والسيطرة على الصف، أمّا اليوم فبات الهمّ اتقان استخدام الأدوات.
  • أزمة كورونا أحدثت نقلة نوعية في تطوير المدارس والمدرسين، بما يوازي 5 سنوات على الأقل، نقلة ستغيّر طريقة التعليم إلى الأبد.
  • المدارس ستستمرّ في استخدام منظومة التعلم عن بعد، بنسبة 15٪ - 20٪ من مجمل البرنامج الدراسي، حتى بعد انتهاء أزمة كورونا.
  • المعدّات والبنى التحتية لم تشكّل عائقا حقيقيا لانتظام التعلم عن بعد في المجتمع العربي، بل شحّ الأجهزة في العائلات متعددة الأولاد.

أشهر عديدة مرّت منذ تفشي وباء كورونا، ويبدو أنّ الحياة التي عرفناها حتى ذلك الوقت، انقلبت رأسا على عقب وكأن حياتنا ستحسب لنا من الآن فصاعدا. ما كان قبل هذا الحدث وما بعده، في وقت ينذر به المختصون باستدامة هذه الجائحة العالمية وتداعياتها على الأقلّ حتى منتصف العام القادم وبشتاء قاسٍ بات على الأبواب.

حدث فارق ترك وقعه المدوي محليا ودوليًا لدى الأفراد والدول، الفقراء والأغنياء، أغلق حدودًا دولية وفتح قنوات للتعاون عابرة للحدود، أنزل دولا عظمى ورفع صغرى، وفتح الباب على أسئلة صعبة تارِكًا إيّانا في مواجهة الإجابة عنها، وفي مقدمتها سؤالان: كيف لنا - مع هذا الإدراك - أن نعود مجدّدا إلى المعهود؟ وكيف لنا أن نوظّف هذه الأزمة وآثارها لتطوير ذواتنا والمجتمع، وربما في المجالات الأكثر وقعًا على حياتنا، أي تلك المتعلقة بأطفالنا ومستقبلهم.

في ظلّ كلّ ذلك، لم تكن غريبة محاولة تقصّي بعض الإجابات. ورحلةُ البحث هذه أخذتني إلى هذا اللقاء مع أحد أبرز الرياديّين في مجال التعليم الرقمي، وأحد مؤسسي شركة Edunation ومديرها التنفيذي، فراس جبور:

ما هي التحديات التي كشفت عنها الأزمة الصحية الراهنة وتداعياتها، في منظومة التربية والتعليم المتداولة لدينا، باعتقادك؟

الإجابة عن هذا السؤال هي بشقّين أو مرحلتين، لأنّهما مختلفتان من حيث التحديات. المرحلة الأولى التي بدأت في شهر آذار/ مارس السابق، المدارس تفاجأت من توقف التعليم الاعتيادي والتحول إلى التعلم عن بعد ما كشف بالأساس عدم الجاهزية من حيث البنى التحتية والأمور المهنية لدى الطواقم، وكذلك اتخاذ القرارات إداريًا. وإذا أردنا اختيار العنوان الأبرز لهذه الفترة، فهو عدم جاهزية المدارس وحتى الدول لهذه الظروف، مع تفاوت معيّن بين المدارس وبين الدول. المدارس التي استطاعت تجاوز المرحلة السابقة بنجاح نوعا ما تميّزت بأمر هام جدا وهو قدرة الإدارة على اتخاذ القرارات، وهذا الجزء الأكبر والأهم، يليه قدرة الطاقم التدريسي على التكيّف مع الظروف الجديدة في ظل جائحة كورونا، وليس بالضرورة القدرة على استخدام الطواقم التدريسية للتكنولوجيا، بعكس الاعتقاد السائد. والعامل الأخير، باعتقادي، هو تمكّن الطواقم التدريسية من استخدام التكنولوجيا الذي يُحدث الفرق في جودة الدروس الافتراضية. أمّا المرحلة الثانية، وهي بداية العام الدراسي الحالي أيّة بداية أيلول/سبتمبر هذا العام، العامل الأهمّ كان تحضير المدارس خلال فترة الصيف لمرحلة التعلم عن بعد وهنا أصبحت الفوارق أكبر ما بين المدارس وحتى بين الدول.

لماذا؟

لأنّ هناك مدارس نجحت في تخطي المفاجأة وبحثت عن حلول خلال فترة الصيف، أمّا القسم الآخر فلا زال يتخبط لأنّه لم يتجاوز نقاش الصعوبات، وهذا ما برز في أشهر الصيف من حيث التجهيز لدى المدارس. محليًا، هناك العديد من المدارس التي تدير مدرسة افتراضية بالكامل، بمعنى يوم دراسي يبدأ الساعة الثامنة أو الثامنة والنصف صباحا وينتهي الساعة الثانية أو الثالثة بعد الظهر.

هل لك أن توضّح لنا ما هي عناصر المدرسة الافتراضية؟

لنجاح المدرسة الافتراضية، يلزم عاملان مهمّان. 60% من نجاح عملية التعلم عن بعد هي الأدوات الإدارية اللازمة لإدارة عملية التعلم عن بعد و40% هي منصات التعلم عن بعد مثل "زووم" و"جوجل ميت" وما إلى ذلك.

الأدوات الإدارية تعني قدرة المدرسة على متابعة أدائها وأداء الطلاب والمعلمين في الحصص الافتراضية وإمكانيّة تطوير وتحسين هذا الأداء. ما قمنا به نحن، كان تزويد المدارس بهذه الأدوات أو البرامج للاطّلاع على ما يحدث في البيئة الصفيّة، حيث تمكّنت إدارة المدرسة من متابعة كل ما يجري في الحصص الافتراضية بكبسة زر كما يقال، من خلال شاشة واحدة، والانتقال بسهولة من حصة افتراضية إلى أخرى، إلى جانب إتاحة المجال لإشعار الطلّاب والأهل خلال ثوانٍ بتفاصيل وتوقيت الحصص الافتراضية. تجدر الإشارة إلى أنّ التجهيز لحصة افتراضية هو أمر هام، ولكنّه يشكل عبئا على المدارس. أحد أهم العوامل التي تساعد المدرّسين على إدارة حصّة افتراضية بشكل أمثل هو القدرة على توفير حصة آمنة محمية من الاختراق، وضمان منع دخول من هو غير معرّف في البرنامج، امتلاك تحديدات مسبقة كإغلاق الميكروفونات أو الكاميرات وكذلك إتاحة إعدادات مسبقة للمدرسين، منعًا لإضاعة الوقت خلال الحصة. وأخيرًا، إتاحة تسجيل الحصّة تلقائيا وحفظها في مكان مخصّص لها وعدم نشرها من خلال الوسائط العامة. بالإضافة إلى هذه الأدوات الإدارية، وفّرنا للمدارس كل الأدوات المتاحة في العالم للتعلم عن بعد كي يختاروا منها الأنسب لهم. في هذا الإطار، وفّرنا للمدارس سبعة مزوّدي خدمات ليختاروا منها ضمن البيئة الافتراضية الكاملة.

بماذا يختلف ما قدّمتموه وتقدموه من حلول عن الحلول التي اعتمدتها وزارة المعارف بمعنى "منظومة التعلم عن بعد" المتداولة اليوم، كما يعرفها أغلب الأهل والكوادر التدريسية؟

الوزارة اهتمت، باعتقادي، بالجزء الأقل أهميّة، وهو توفير منصات التواصل أكثر من توفير البيئة الافتراضية الكاملة للمدرسة، وهذا ما أدّى إلى عدم نجاح استخدام هذه الأدوات، وما أدّى إلى عدة مشاكل عادةً ما تكون حول الدرس الافتراضي منها: إدارية، في التواصل، إرسال روابط، وفي متابعة والحضور والغياب إلخ.

وفقا لما أفهمه منك، طبيعة الخدمات المقدمة من قبلكم تعنى بالأدوات أو آليات التعليم؟ هل من تفكير لديكم بتوسيع مجالاتكم لما هو أبعد من ذلك، أي بما يتعلق بالمضامين أو مناهج التعليم؟

نعمل اليوم على مشروع كبير متعلّق بالمضامين مع ما لا يقل عن عشر شركات في المنطقة لتزويد المدارس بعدد كبير من المضامين في المواضيع الأساسية منها المكتوبة ومنها المرئية إن كان فيديو أو حتى ألعاب تعليمية للطلاب. تركيزنا على الوحدات التعليمية وليس على المنهاج بشكل عيني كي نخدم أكبر عدد من المدارس في أكثر عدد من الدول. نتوقع إصدار النسخة التجريبية الأولى مع بداية عام 2021.

لا شكّ في أنّ ظروف دراسة الطلبة هذا العام عن بعد، بعيدًا عن الدراسة الوجاهية، لاقت الكثير من ردود الأفعال ما بين مؤيّد ومعارض.. ما موقفك أنت من ذلك؟

أعتقد أنّ المدارس اليوم واجهت الكثير من التحديات، ولم أرَ حلولا أخرى لدى من عارض التعلّم عن بعد، وأعتقد أنه لولا برامج تكنولوجيا التعليم، لكانت تأثيرات أزمة كورونا أكبر بعشرات الأضعاف، لأنّها كانت ستجبر الحكومات والمدارس على اتخاذ قرارات أخرى لعدم توفّر الحلول. فأعتقد أنّ وجود هذه التقنيات اليوم في العالم، سهّلت على منظومة الدول بشكل عام اتخاذ القرارات بشأن الإغلاق وغيرها من الأمور.

بعد أشهر على الأزمة، هل لك أن تقيم لنا أبرز التحديات التي واجهت وتواجه الكوادر التدريسية من حيث ظروف التعليم الجديدة، وفقا لرصدكم للأمور؟

قبل أزمة كورونا، كان هم المدرّس الأساسي اتقان المادة والسيطرة على الصف. اليوم أصبحت هذه الأمور أقلّ أهمية قياسًا بأمور أخرى. اتقان استخدم الأدوات، اليوم، أصبح يتصدّر التحديات حيث أنّ السيطرة على الصف أو سيرورة الدرس أصبح متاحًا من خلال الأدوات الإلكترونية، وهذا يتطلّب ممارسة وتدريبًا أكثر من أيّ أمر آخر. فخبرة الأستاذ في مجال التعليم لم تساعده في عملية التعليم خلال أزمة كورونا. الأمر الآخر، هو حاجة المعلم إلى القيام بمهامه بأقلّ ما يمكن من خروقات، ونحن نعرف اليوم عن عملية تناقل فيديوهات محرجة خارج إطار الدرس.. حيث أنّ أحد التحديات التي يواجهها المدرّس الذي يتعاطى مع طلّاب خلف الشاشات يتقنون التكنولوجيا أفضل منه في الكثير من الأحيان. كذلك، تحضير الحصة أصبح يتطلب مجهودًا أكبر من المدرسين لإعداد المرئيات، استخدام الأدوات التفاعلية كي يتمكن من تقديم مستوى أعلى من التعليم، إلى جانب متابعة الطلاب غير الفعّالين بغياب قدرته على رؤيتهم أو رؤية نشاطاتهم ونقطة هامة إضافية تتعلّق بتعامل المدرّس مع الأهالي خلف الشاشات وليس فقط بالمفهوم المجازي، حيث أنّ المدرّس أصبح يعي وجود ليس فقط الطلبة بل الأهالي كذلك في هذه العملية، لا سيّما أهالي الطلبة الأصغر سنًّا، ما يرفع من توتّر المدرّسين بشكل عام. لذا، قمنا بنشر مجموعة من المقالات في موقعنا الإلكتروني، التي من شأنها أن تساعد المدرّسين في تسهيل التعاطي مع منظومة التعلم عن بعد.

كيف لنا أن نستفيد من هذه التجربة في اليوم الذي يلي الأزمة، بحسب رأيك؟

باعتقادي، فترة أزمة كورونا ساعدت المدارس والمدرّسين على أن يتطوروا بشكل سريع جدا. ويمكن القول إنّها اختصرت 5 أو 6 سنوات. نرى اليوم نقلة نوعية للمدرسين في ظرف 7 أو 8 شهور، ليس فقط في استخدام التكنولوجيا، بل في التحضير وإضافة وسائل إيضاح للطلاب، ما يزيد من متعة الطلاب في الحصة ويزوّدهم بأدوات ووسائط أكثر لفهم المادة بشكل أفضل.

ما كنّا نقوله قبل فترة، هو أنّ المدرّس ليس مصدر المعرفة، إنّما مسيّر وميسّر للعملية التعليمية. لذلك أعتقد أن النقلة التي حصلت في المدارس سوف تغير طريقة التعليم للأبد ولن يعود التعليم كما كان عليه قبل فترة كورونا. وأعتقد أنّ المدارس ستستمر في استخدام منظومة التعلم عن بعد، حتى بعد الانتهاء من فيروس كورونا، بنسبة 15-20% من مجمل البرنامج الدراسي. وقد استمعنا إلى تصريحات من عدة حكومات بإلزام المدارس على تخصيص جزء من جدول الحصص الذي سيدرس عن بعد لرفع الجاهزية لأيّة أزمات مستقبلية أخرى، لأنّنا لا نضمن أن تكون هذه الجائحة هي الأزمة الأخيرة التي سيواجهها العالم. وكما قلت من الممكن فهم عدم الجاهزية قبل أزمة كورونا، لكن لا يمكن قبول ذلك مستقبلا!

في المجتمع العربي، قيل وكتب الكثير عن إشكالية منظومة التعلم عن بعد، بسبب غياب المعدّات والبنى التحتية المناسبة لغالبية الطلبة العرب.. كيف ينبغي حل هذه الإشكالية، باعتقادك؟

من الممكن أن أختلف بعض الشيء في هذه القضية مع الغالبية، فباعتقادي بالرغم من أنّ المعدّات والبنى التحتية فقيرة جدا في المجتمع العربي، لكنها لم تشكّل عائقًا حقيقيًا لانتظام التعلم عن بعد. أوّلًا، لأنّه بالإمكان اليوم استخدام الهواتف الذكية أو حتّى شاشات التلفزيون بالرغم من بنى تحتية فقيرة وضعيفة جدًا، يمكن بواسطتها أداء المهمة. المشكلة الأكبر هي تلك التي تواجه العائلات متعددة الأولاد التي تطلب أكثر من جهاز أو اثنين في نفس الوقت. وهنا، ومن تجربتنا، ننصح المدارس بتقسيم البرنامج الدراسي بين الصفوف العليا والصفوف الدنيا، الأمر الذي اعتبر قرارا رسميا لدى بعض الدول، بحيث يدرس طلبة الصفوف الدنيا بعد الظهر وطلبة الصفوف العليا صباحا، ما من شأنه، كذلك، أن يسهّل على الأهل العاملين صباحا في مساعدة أطفالهم الصغار بعد الظهر. ذلك، لتقليل العبء عن العائلات بدلا من شراء المزيد من الأجهزة، خاصّة للعائلات متعددة الأولاد.

بالعودة إلى فترة الطفولة والشباب، ما أكثر الأمور التي كنت تتمنى توفّرها في العملية التعليمية لديك آنذاك، وتقوم اليوم بتقديمها من خلال مشروعك؟

كنت أتمنى أن يكون تواصل مباشر أكثر مع أساتذة المدرسة، وتوفّر أكبر للمواد التعليمية، أن نتدرّب أكثر على الامتحانات والاختبارات التي سنواجهها. اليوم الوضع اختلف، فللطلبة إمكانيات هائلة من توفر المواد وفي صفحة واحدة، بكبسة زر أن يتواصل مع الأستاذ وأن يوجّه له الأسئلة، التعاون مع باقي الطلاب حول أيّة موضوع أو أن يشارك معهم في نقاش، تعليق أو مساعدة الآخرين. وهذا ما نحاول اليوم توفيره من خلال خلق بيئة كاملة للطلاب والمدرسين نسهل عليهم فيها عمليتي التعلم والتواصل.

صورة عائليّة
صورة عائليّة

كيف أثّر دخولك هذا العالم إلى تعاطيك أو تعاملك مع طفلتيك كون وشمس بشكل عام، وفي مجال التربية على وجه الخصوص؟

أعتقد أنّ على المدرسة أن تركز على شخصية الطالب وأن تهتم، أوّلًا باستمتاعه خلال تواجده في المدرسة. في أول يوم دراسي لابنتي كون، حين كانت في الصف الأول طلبت من القيمين أن تدخل المدرسة وتخرج منها مبتسمة. ولنتذكر أنّه يمكن للطالب أن يتراجع في موضوع معيّن بسبب عدم محبته لأستاذه. أنا شخصيا لا أهتم كثيرا في النتائج بالرغم من كون طفلتيّ صغيرتين. لكن مستقبلا أفضّل دائما الشخصية التي تمتلك أدوات للنجاح، وهذا انعكس على برنامجنا من خلال إضافة التحفيز، ما يدفع المدرسة إلى أن ترى الطلاب بشكل مختلف بمعنى أن للطالب مواهب أخرى، حتى لو كان هادئًا في الصف، مثلا بإمكانه أن يساهم في أمور أخرى لزملائه أو للمدرسة. أنا أبحث في طفلتيّ عن موهبة أكثر من العلامة، لأن الموهبة هي الأساس والعلامات هي تحصيل لمجهود دراسي.

التعليقات